منتديات كرزاوي
اهلا وسهلا بك ايها الزائر/ة الكريم/ة الرجاء المشاركة لكي تتكمن من التمتع بجميع الخدمات المتوفرة في المنتدى شاكرين تعاونكم معنا
-مع تحيات ادارة المنتدى-
منتديات كرزاوي
اهلا وسهلا بك ايها الزائر/ة الكريم/ة الرجاء المشاركة لكي تتكمن من التمتع بجميع الخدمات المتوفرة في المنتدى شاكرين تعاونكم معنا
-مع تحيات ادارة المنتدى-
منتديات كرزاوي
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.

منتديات كرزاوي

اللهم.. نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى اللهم.. انا نسألك العفو والعافية فى الدنيا والاخرة اللهم.. نسألك علما نافعا،وقلبا خاشعا،ورزقا واسعا،وشفاء من كل داء
 
الرئيسيةالبوابةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 عيناك لا تكذبان

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
المدير العام
Admin
المدير العام


عدد المساهمات : 1292
نقاط : 29590
السٌّمعَة : 0
تاريخ التسجيل : 05/11/2010
العمر : 29
الموقع : https://kurzayee.roo7.biz

عيناك لا تكذبان Empty
مُساهمةموضوع: عيناك لا تكذبان   عيناك لا تكذبان Emptyالثلاثاء يوليو 26, 2011 3:59 am


المقدمة
حب أم شفقة سؤال عذب كاسى طويلا وكاد يفقدها الحب الكبير
الذى تحلم به .
كانت تعلم بأن هناك فرقا كبيرا بين الحقيقة والأحلام . وبأن الأحلام
نادرا ما تتحقق ولكن ستثبت لها الحياة أنها عادلة . وأن لكل إنسان
فرصة ذهبية للسعادة يجب أن يغتنمها وإلا فلن يكون هناك مجال
للندم .
الفصل الأول

هناك من يبكى .
كان الصوت واضحا تماما حتى ظنت كاسى فى البداية أنها تحلم . هل هناك شخص ما ؟ هل هذا صوتها ؟ لكنه صوت مختنق بشكل غريب . ازداد سيل الدموع ، وجاهدت كاسى حتى تستعيد صفاء ذهنها . حل الفزع مكان الفضول عندما تحققت أن الدموع تسيل من عينيها .
وضعت يدها على وجهه . لم يكن تشعر بالألم فمها جاف . ولسانها ملتصق فى حلقها . حاولت أن تدير رأسها لكن بدت لها هذه الحركة مستحيلة . لماذا لا تستطيع أن ترى بينما هى مستيقظة ؟
سألت بعناء حيث خرجت الكلمات من فمها بصعوبة :
- هل عيناى مفتوحتان ؟ أنا لا أرى شيئا !
تملكها الخوف . ثم تحول خوفها إلى رعب شديد .
أمرها صوت رجل :
- صه لا تتحركى .لا تفزعى . إذا كنت ترين ظلاما . فذلك لأنك معصوبة العينين .
جنبها الصوت المطمئن ألا تستسلم لصدمة عصبية .
- أنت فى المستشفى . كل شئ بخير .
- لكنى لا أرى شيئا .
قال الطبيب إنه سيخلصك من هذه الأربطة قريبا .أنت مصابة بارتجاج فى المخ ولا يجب أن تحركى رأسك . ولا ذراعيك أيضا . أنت تتعرضين لحقن متواصل .
ثم أمسكت يديها يد مجهولة :
- لماذا ؟ ما هذا ؟
- لقد تعرضت لحادث . سيكون الطبيب هنا حالا . سيطمئنك على حالة جروحك . لا تقلقى .
ابتعد الصوت :
- لا تتركنى .
حاولت السيدة الشابة أن ترفع ذراعها لكنه أجبرها على أن تخفضها :
- لن أتركك . انظرى . إنى ممسك يدك . وهكذا تعرفين أننى بجانبك .
- أوه ! تذكرت لقد كنت فى الشارع الضباب .
- لا تفكرى فى شئ الآن .
لقد استعادت ذاكرتها إنها تسمع صوتها يصرخ فى أذنيها . وهذه الضوضاء للزجاج المحطم . أقمشة تتمزق وفجأة ثقب أسود :
- يا إلهى هل هناك وفيات .
انتهت كلماتها ببكاء جديد
- لا ليس هناك وفيات
كان صوت الرجل هادئا وعذبا . شعرت به يمسح أنفها
أضاف بلمحة سخرية :
- إنى أمنعك من البكاء حتى تستطيعى مسح أنفك بنفسك .
- إنى عطشى .
- سأحضر لك الماء . هل ستخافين إذا تركتك لحظة ؟
أمسكت يدها ذراع الرجل الغريب:
- لا ترحل
- لن أغيب وقتا طويلا . الوقت الذى تعدين فيه حتى عشرين .أعدك بذلك .
تركت ذراعه . أطرقت كاسى منتظرة أن يفتح الباب لكن لم تسمع شيئا لابد أن الباب قد فتح . واحد . اثنان . ثلاثة . أربعة . خمسة . ثم جاءها صوت قاس . نسيت أن تكمل العد .
سألت الممرضة فى عصبية :
- لماذا تركتها بمفردها بحق السماء ؟
- أسف . كانت عطشى .
- يجب أن تشرب بالتقطير .
- سأهتم بذلك بينما تستدعين الطبيب يا سيدتى .
تبعت كلماته فترة صمت . ثم شعرت كاسى من جديد بيـد الرجـل الغريـب علـى ذراعها :
- كاسندرا ؟
- كاسى . الجميع يدعوننى كاسى .
- حسن جدا . كاسى تستطيعين أن تشربى . سأعطيك الماء بينما تستدعى الممرضة الطبيب . سأضع الأنبوبة فى فمك . خذى جرعة وراقبى إذا كنت تستطعين البلع .
احتفظ الرجل بصوته الهادئ . كان الماء باردا ولكن كان على كاسى أن تبذل جهدا كبرا لكى تستطيع البلع . نزع من فمها الأنبوبة .لعقت شفتيها :
- هل تريدين امتصاص قطعة ثلج ؟
همست مجهدة :
- نعم من فضلك .
- احترسى حتى لا تبتلعيها .
فتحت فمها قليلا .ووضع قطعة الثلج فى فمها . شعرت بالرطوبة فى فمها :
- هل أنت طبيب
- لا أنا دان ماردوك .
شعرت كاسى بخيبة أمل عندما سمعت هذه الإجابة . جاءها صوت غريب آخر :
- صباح الخير يا أنسة فارو . أنا الدكتور ماسترس .
صاحت كاسى :
- أرجوك .انزع هذا الرباط من فوق عينى .
أجاب الطبيب بهدوء :
- ليس قبل غد . هناك قطع على جبينك . وجفناك متورمان . لا بد أن تبقى ممددة أربعا وعشرين ساعة . سأعطيك شيئا لتنامى .
- لا ! ماذا بى ؟ يداى أيضا مربوطتان .ولا أشعر بساقى يا إلهى ! هل ما زال لى ساقان ؟
كان الفزع يملأ صوتها :
- بالتأكيد . لا تقلقى ، أنت بخير .
- أود أن أصدقك . أين الرجل ؟ أين أنت ؟
- أنا هنا يا كاسى
جاءها الصوت من الجانب الأخر من السرير . أمسكت ذراعه .
- الطبيب يقول الحقيقة . كانت جراحك كثيرة . ولكن ساقيك موجودتان .
سألها الطبيب :
- هل تتألمين .
قالت فى توسل والدموع فى صوتها :
- لا .إنى أشعر بالغثيان ، أريد أن أرى وجهى .
قال دان :
- أخبرها إذن يا دكتور ، من حقها أن تعرف .
دمعت عينا كاسى من جديد
قال الطبيب بصوت جاد وفى نفس الوقت مطمئن :
- أنسة فارو ، أنسة فارو اهدئى ، وإلا سأضطر أن أعطيك مهدئا . لا أنوى إخفاء الحقيقة عنك . هناك قطع غائر فى وجهك . ولكننا سنبذل قصارى جهدنا حتى لا يظهر هذا القطع إلا بصعوبة .هناكأيضا أضلع مكسورة وارتجاج فى المخ .
- لكن ....لماذا كل هذه الأربطة ؟
حاولت أن تمد يدها إلى الرجل الذى يدعى دان
- اصطدمت سيارتك بشاحنة كانت تنقل ألواحا زجاجية . طار واقى سيارتك بفعل الحادث بضعة أمتار أخرى . وكنت الآن فى عدادالموتى .
أمسكت يد دان بيدها بقوة . مما جعلها تشعر بالاطمئنان
استطرد الطبيب :
- أفضل ما تفعلينه هو أن تنامى .
ابتعد ليترك المكان لممرضة وفى يدها حقنة . أمسكت الممرضة ذراع كاسى ورفعت الرباط وأدخلت بسرعة سن الحقنة فى الوريد .
قال الطبيب :
- أعتقد أننا سنرفع الرباط الذى يغطى عينيك غدا .
على الفور فحص القطوع المنتشرة بفخذيها وساقيها . واستغرق فى انتزاع قطع الزجاج الغارزة فى جسدها . كيف ستتصرف عندما تكتشف كل هذا ؟
هز الطبيب ذو الشعر الرمادى رأسه . هذه السيدة الشابة لديها قدر كبير من الحظ لأنها نجت بحياتها .
تمتمت كاسى وهى تفكر فى الشاحنة التى داهمتها :
- سيدى . هل أنت هنا ؟
أجاب نفس الصوت الهادئ بالقرب منها :
- لن تكونى بمفردك يا كاسى . نامى الآن .
- منذ .... متى ... وأنا هنا ؟
- أربع وعشرون ساعة . أخبرت والدك. سيأتى لزيارتك خلال أيام
- كيف ...؟
- وجدت اسمه وعنوانه فى الدفتر الخاص بك .
ربت برفق على جبين كاسى
- لكن من أنت ؟
جاهدت كاسى لتظل متيقظة لتسمع الإجابة . ولكن جاء فعل المهدئ سريعا . وغاصت فى نوم عميق .
استيقظت فجأة عندما شعرت بشئ ما فى مواجهة فمها .كانت تشعر كأن مئات الأبر تخترق جسدها . انفلتت من فمها صرخة ألم . شعرت أن جفنيها ملتصقان . قامت بمجهود كبير حتى تفتحهما . ورأت إطار النافذة وستارة منخفضة .عادت إلى البكاء .
خلال دموعها لاحظت كاسى زجاجة بها سائل معلقة فوق سريرها . وأنابيب مخترقة ذراعها .وأدارت رأسها ببطء . كانت ممرضة واقفة مائلة نحوها .
حدثتها بصوت مرح :
- ها قد استيقظت ! هل حلقك جاف ؟ سأبلل شفتيك بقطعة قطن مبللة .
فتحت كاسى فمها لتتحدث . ولكن لم يخرج من فمها أى صوت .وأخيرا تمكنت من ان تقول :
- ماء
وضعت الممرضة أنبوبة فى فمها .
كان الماء لذيذا ومنعشا ! شعرت كاسى أنه ينتشر فى كل جسدها . سحبت منها الأنبوبة ، فتحت عينيها .ابتسمت إليها الممرضة .إنها جميلة . جميلة جدا .
سألت كاسى :
- ما الساعة ؟
حركت يدها لتنظر فى ساعة معصمها ولكنها رأت أن يدها قد تحولت إلى يد شوهاء مليئة بالجروح والخطوط السوداء . لا يمكن أن تكون هى يدها : قصت أظافرها الملونة بقسوة ، وأصابعها مقوسة كأنها ممسكة بشئ غير مرئى .
تنهدت فى ألم :
- أوه !
حاولت أن تحرك يدها الأخرى ولكن أسرعت الممرضة ومنعتها :
- الساعة الثانية . سأنتهى من عملى حالا .
نظرت كاسى إلى الممرضة بدهشة .لقد تملكها الفزع : يداها تشوهت إلى الأبد . يداها الجميلتان اللتان تقدمان زجاجات العطور فى إعلانات التليفزيون . الأصابع الطويلة الرقيقة التى تفرد الكريم على وجوه الموديلات الحسان تشبه الآن أصابع ساحرة شريرة . على الفور تبهت كاسى إلى جسدها العارى تحت الملاءة .بآهة ألم حاولت أن ترفع عن نفسها الغطاء .
-أريد أن أرى . أرجوك
قالت الممرضة بصوت هادئ :
- بالتأكيد .لكن لاتتحركى . لقد قام الجراح بعمل رائع .
رفعت الغطاء . لم تسمع كاسى شرح الممرضة نظرت إلى الأربطة على صدرها والقطوع العديدة فى كل أنحاء جسدها .رجف قلبها بشدة فى صدرها . رفعت عينيها فى تضرع إلى السيدة ذات الملابس البيضاء
تأوهت :
- إننى ... مغطاة بالجروح .
رفعت يدها إلى وجهها حيث شعرت برباط آخر . وهمست :
- هل الأمر خطير ؟
أجابت الممرضة :
- اشتهر الجراحون بعمل الكثير من الأربطة باستثناء جرح واحد فى الجانب الأيسر من وجهك فإن وجهك سليم وليس به خدش واحد .
اهتز صوت كاسى من شدة الفزع :
- لاأصدقك . أريد أن أرى .
- ليس لدى مرآة . لا بد أن تصدقينى . الدكتور ماسترس لن يتأخر فى المجئ ليراك . وسيرافقه السيد ماردوك . هل تريدين المزيد من الماء ؟
أغلقت كاسى عينيها .وأدارت رأسها على الوسادة .سالت الدموع من جفنيها المتورمتين على خديها فبللت الوسادة .
شعرت كأنها عجوز مكسورة . وأن الحياة قد انتهت . كيف تستطيع إدارة ندوة عن الجمال بهذا الوجه . هاتين اليدين المليئتين بالندبات ؟
منذ سبع سنوات وهى تعمل لدى بيت التجميل صيحات عالمية .وكانت من أفضل ممثلاته . كان نيل هاملتون - رئيسها - رجلا متخصصا . ردد لها مرارا ان وجهها المثالى ،وقوامها الرائع هما ما يجعلان منها الموديل الأكثر تقديرا .
منذ سنوات طويلة عاشت كاسى حياة قاسية . هجر والدها البيت بينما كانت صغيرة ، ثم ماتت أمها عندما كانت فى السنة النهائية من دراستها . كان عليها أن تجد ما تصرف به على عيشها .عملت فى كثير من الأعمال الصغيرة قبل أن تعمل فى محل كبير فى قسم مستحضرات التجميل . وفى هذا المكان قابلت من ساعدها فى العمل لدى صيحات عالمية .
كانت كاسى دائمة التشكك فى نفسها على الرغم من إعجاب الجميع بسلوكها . وشخصيتها القوية وخاصة جمالها الآخاذ : طويلة وممشوقة القوام ، شعرها بنى فاتح ومائل للصفرة ينسدا على كتفيها ،حاجباها وأهدابها داكنة بطبيعتها . وعيناها البنيتان تتناسبان تماما مع لون شعرها . وجهها البيضاوى وأنفها دقيق ،شفتاها ممتلئتان وجذابتان ؟
قبل أربع سنوات اقتحم والدها حياتها . اختفى كل الحقد والكراهية التى كانت تشعر بها تجاهه بسبب غيابه الطويل عندما اكتشفت أنه رجل ضعيف ،فاتن بدون شك ، أدركت لماذا أحبته والدتها إلى هذا الحد .
- آنسة فارو . هل أنت بخير ؟
أجابت كاسى :
- نعم ، بخير جدا
أراحت رأسها على الوسادة ،كانت خائفة وتشعر بالوحدة .
بعد عدة لحظات اختفت الممرضة الشابة ذات البشرة الحمراء كثمرة الخوخ .وجاءت مكانها أخرى . كانت كاسى ممددة ، ساكنة على سريرها . فريسة لأفكار مؤلمة كجراحها . هل ستجد فى صيحات عالمية وظيفة حيث لا يلزم أن تقابل العملاء ؟ إنها لا تعرف شيئا فى العمل على المكاتب
دخل الطبيب وقف عند سريرها . نظر إلى السيدة الشابة فى ود من خلف نظارته الطبية :
- صباح الخير . أنا الدكتور ماسترس
- هل أنت صاحب هذه الخياطات الرائعة
دهشت كاسى من مرارة كلماتها
- رائعة ليست بالصفة المناسبة ؟ لقد خيطنا جراحك بقدر ما استطعنا .
الجراح ليس فى قلبه رحمة . وشعرت كاسى بالكراهية تجاهه .دار حول السرير وجلس بالقرب منها .
غادرت الممرضةالحجرة فى صمت :
-لن ترى شيئا بما أنى لم أنزع الأربطة . سأفعل خلال بضعة أيام .
- هل هى بهذه البشاعة ؟
كانت هذه أصعب الكلمات التى نطقت بها كاسى
- كان من الممكن أن يصبح ألامر أكثر سوءا
- لديك قطع غائر فى الجانب الأيمن ينطلق من منبت الشعر حتى أعلى عينك . وينزل فى ميل حتى أذنك .قطع جزءا من خدك ،وكذك جزءا من شحمة الأذن.
أدارت كاسى رأسها نحو الطبيب وهى تشعر برغبة عارمة فى البكاء .
استطرد الطبيب :
- يحب أن ننتظر عدة أشهر قبل أن نفعل أى شئ لكنى فى رأيى يستطيع جراح تجميل ماهر ان يعيد وجهك إلى حالته الطبيعية .
تحدث الطبيب بلهجة حازمة
قالت :
- والباقى ؟ يداى ؟
- ستستعيدين قدرتك على استخدام يديك .
- ولكن الندبات .
- ستختفى مع الوقت ولا تشكى فى ذلك .
لاحظت كاسى أن الطبيب بدأ يفقد صبره لكن تبا . إنها هى أيضا تحتاج ليديها حتى تعيش .
- رمبا تظن أننى تافهة يا دكتور ، ولكن فى عملى جسدى يعنى الكثير .إنى أعمل لبيت مستحضرات تجميل و..
توقفت عن الحديث . إنها لاتستطيع أن تعترف له بأنه على الرغم من السبع سنوات التى قضتها فى هذا العمل ستفقد بالتأكيد وظيفتها .
نهض الطبيب :
- أفهم يا أنسة فارو .أصر السيد ماردوك أن يتولى العناية بك دكتور كليمونس .قمة فى جراحات التجميل . تستطعين أن تتحدثى معه عن باقى الجروح.
- باقى الجروح ؟
- لقد فعلنا ما نستطيع لكن ...
- لكن ؟
ثار جنونها عندما توقف عن الحديث :
- هناك جروح غائرة فى أنحاء متفرقة من جسدك نتيجة لارتشاق قطع الزجاج .
يا إلهى ! يا إلهى ! وماذا أيضا ؟
راحت كاسى فريسة لفزع شديد
- أنت محظوظة لأنك ما زلت على قيد الحياة يا آنستى ... أوصلك السيد ماردوك إلى هنا قبل أن يصفى دمك
مرة أخرى تحدث الجراح بلهجة المتخصص
قالت كاسى بصوت مهتز :
- أشكرك لأنك قلت كل شئ .
لم يكن الوقت مناسبا حتى تسأله عن الرجل الذى أنقذ حياتها . ربما تتاح لها الفرصة آجلا .
ذهب الطبيب .دخلت الممرضة وخفضت الضوء .قبلت كاسى أن تتناول المسكن . لكنها رفضت أن تتناول أى منوم . ثم نظرت عبر النافذة ورأت السماء تظلم شيئا فشيئا .... انعكست إنارة الشوارع على النوافذ الزجاجية . ما زالت السيدة الشابة تجد الغروب لحظات شجن . إنها الساعة التى تجتمع فيها الأسر فى نهاية اليوم . ولكن كانت كاسى تكره كل ما يشير إلى النهاية .
قفل الباب بدون صوت أدارت كاسى رأسها . رحلت الممرضة توا .حسنا لقد قالت لها إنها لا تحتاج إلى أحد وأكدت لها الممرضة أنه لا يجب أن تغادر الحجرة .
فتح الباب من جديد وأطلقت كاسى تأوها معترضة . لحظات الاختلاء بنفسها نادرة جدا . دخل رجل وأغلق الباب خلفه . رأت كاسى - بشكل غير واضح - رجلا طويلا ذا شعر أسود واقفا بالقرب من سريرها .
خيم صمت غريب .كان الاثنين لا يعرفان ماذا يقولان ؟
لاحظت كاسى هيكل زائرها المؤثر : إنه عريض المنكبين ، قميصه الأبيض مفتوح . كان من الصعب القول بأنها تراه جميلا . كانت عيناه سوداوين مثل شعره .كانتا مثبتتين على عينيها .كأنه يريد أن يقرأ أفكارها . إنه يشبه حطابا أكثر منه طبيبا ولكنه لا بد أن يكون طبيبا .
أخيرا سألته :
- هل أنت الجراح الذى عالجنى ؟
- لا أنا دان ماردوك
جذب انتباه السيدة الشابة صوته أكثر من اسمه. إنه الصوت الذى طمأنها عندما كانت على عينيها العصابة .فتحت عينيها الواسعتين .
سألته :
- من أنت ؟
نظر إليها مفكرا :
- هل أستطيع الجلوس ؟
أشارت كاسى نعم برأسها مندهشة من السؤال . تبعته بنظراتها بينما ذهب ليتخذ مجلسا له على أحد المقاعد . إنه رجل متناسق فى كل شئ .صوته يتوافق مع عينيه ، مع مشيته .اقترب وجلس عاقدا ساقيه .
بدأ يحرك قدمه . من الواضح أنه ينتظرها تتحدث بصبر كبير.
قالت كاسى :
- هل ستشرح لى من أنت ؟ لا اتركنى أخمن أنت دكتور .
- خطأ . أنا الذى اصطدمت بمؤخرة سيارتك وجعلتك تصطدمين بالشاحنة التى كانت تنقل الزجاج
نظرت إليها عيناه السوداوان بشدة منتظرة منها أى رد فعل .
سألته بصوت مهتز من شدة الغضب :
- ماذا أقول لك ؟ شكرا . لأنك حطمت حياتى ؟
- أنا حريض على أن تعرفى ذلك يا كاسى . ليلة الحادث كنت أقود السيارة بحرص شديد ... لم ألاحظ سيارتك إلا قبل أن أصطدم بها بقليل . كان هناك ضباب كثيف .
قالت كاسى :
- كان الضباب كثيفا جدا .لست مخطئا وجدت صعوبة فى الدوران .
من الظاهر أنه خرج معافى من الاصطدام
أضاف ماردوك :
- لو تحلى كل منا ببعض التعقل لما وقع هذا الحادث .
نظرت إليه بإهتمام وهى تسأل نفسها إذا كان واجهته الصعاب فى حياته مرة . ألم تعطه الحياة كل ما يريد ؟ فجأة . تمنت أن تراه يرحل .كانت على وشك البكاء .
- هل سألت نفسك إذا كنت سأقيم دعوى تعويض ضدك يا سيدى ؟
لماذا طرحت عليه مثل هذا السؤال ؟
- لم أفكر فى ذلك . وأنت ؟
أغلقت عينيها محرجة وفتحتهما . وثبتت نظرتها فىعينى الرجل :
-لا
سالت الدموع على وجنتيها ، كانت غير قادرة على السيطرة على عواطفها .
- سيكون والدك هنا خلال يوم أو اثنين يا انستى .. كان يود أن يصل اليوم ولكن أغلق المطار بسبب الضباب .
- شئ لطيف منك . هل علم صاحب العمل؟
نعم لقد حدثته عبر التليفون .كان على سفر إلى لوس انجيلوس لكنه سيحضر لزيارتك عند عودته .
أغلقت كاسى عينيها . قال :
- أصيبت سيارتك بشدة . أخشى ألا تستطعين إصلاحها .
من حسن الحظ أننا وجدنا حافظتك وأوراقك الشخصية .
رأت ماردوك يخرج منديل من جيبه ويضعه فى يدها
سألها بهدوء :
- هل ستستطيعين .
إنه نفس الصوت الهادئ الذى طمأنها ليلة الحادث . مسحت أنفها بصعوبة . أخذ ماردوك المنديل من يدها :
- دعينى أقوم بذلك .
مسح عينيها برفق ثم أنفها .كانت حركته حانية .
- أخبرنى الطبيب أنك أنقذت حياتى . لأنك أحضرتنى إلى المستشفى . أشكرك على ذلك .
ابتسم إليها وقال :
- وهل أخبرك أيضا أن دمى يجرى فى عروقك ؟ من حسن الحظ أن لديك بطاقة تشير إلى فصيلة دمك . إنها مماثلة لفصيلة دمى .
همست :
- إنى مدينة لك إذن .
مال نحوها .كاد وجهه يلمس وجهها :
- لا يا كاسى لا أريد أن تشعرى بالدين نحوى .
همست :
- لكنى كذلك . شكرا . لست أدرى ماذا أقول لك غير ذلك .
- لا تقولى شيئا .
كان صوت ماردوك أجش ووجهه جادا .
- عندما أخرجتك من السيارة عرفت على الفور أنك ستكونين إنسانا مهما بالنسبة لى . أريد أن يزداد تعارفنا يا كاسى .
نهض من جديد . ظل ينظر إليها بعينين لامعتين .ثم طبع قبلة حانية على جبينها .كانت شفتاه دافئتين . ابتسم مرة أخرى .
همست كاسى :
- أنت مجنون ! أنا لاأعرفك
قهقه ضحكة ساخرة وبدا إعجابه بها فى عينيه :
- على أية حال ليس هناك ما يسبب قلقك . سيعتنى بك الأطباء والممرضات جيدا أثناء غيابى .أسرعى فى الشفاء والخروج من هنا .
نظرت إليه كاسى وهو يمضى دون أن ينبس بكلمة .



الفصل الثانى

شعرت كاسى أن هناك سكينا يغمس فى صدرها . لم تكن ترغب إلا فى شئ واحد . أن تفر من صورة وجهها المنعكسة فى المرآة ولكن أبت ساقاها أن تستجيب . مالت إلى الأمام . وفحصت عينيها الذهبيتين ، وتظللهما الهالات الزرقاء .ثم شاهدت الرباط فوق جبينها .أغلقت عينيها .وتعلقت بالحوض حتى لا تسقط تأوهت :
- يا إلهى
صاحت الممرضة ذات البشرة الحمراء بعد أن فتحت باب الحمام :
- أنسة فارو ! ستقتلينى خوفا لا يجب أبدا أن تنهضى من سريرك .
- مضت خمسة أيام وأنا راقدة فى السرير . بما أن على أن أعيش بهذا الوجه فإن لى الحق فى أن أرى ماذا يشبه .
أجابت الممرضة :
- تحدثت إلى الدكتور . ستستحمين غدا . أعتقد أنك ستشعرين بتحسن . سنخبئ جبينك تحت شعرك أرجوك يا آنسة. السيد ماردوك سيغضب كثيرا إذا علم أنك ..
- ماذا فعلت له بحق السماء ؟ لقد أخرجنى من سيارتى ولم أره أبدا قبل الحادث .
كانت كاسى حزينة تماما لدرجة أنها كانت غاضبة من العالم أجمع .
قالت الممرضة :
- لا يهم . هذا الرجل يدفع لى حتى أعتنى بك . وهذا ما أفعله . أعرف ما تشعرين به يا آنسة فارو
صاحت كاسى :
- مستحيل ... إنى أعمل فى مجال التجميل . انظرى إلى وجهى ! انظرى إلى يدى ؟ أستطيع أن أخفى جسدى ولكن ليس كل هذا .
همست يائسة وقد لمعت الدموع فوق خديها :
- أرجوك ساعدينى حتى أعود إلى السرير.
الآن حملقت كاسى فى السقف وهى مستلقية فى سريرها .لم تكن تتخيل أبدا أنها ستشعر يوما ما أنها هرمت وأصبح عمرها قرنا من الزمان .انهارت الحياة التى أرست قواعدها فى صدمة واحدة اتصل نيل من لوس انجيلوس حيث ذهب ليفتتح فرعا جديدا .أخبرها أنه سيعود إلى بورتلاند فى نهاية الأسبوع . وأنه سيمر ليراها .
أضاف :
- يؤسفنى أنك لم تحضرى الاجتماع . لقد حدث شئ لا يصدق . تعرفين هذه العارضة التى حاولت الحصول عليها جنيفر كاويلد هذه الفتاة ذات الشعر الأسود والبشرة النحاسية ؟ إنه حسنا . لقد حصلت عليها ! ستكون عارضة رائعة لأدوات التجميل .
فكرت كاسى بمرارة : حتى طبقة ثقيلة من كريم الأساس لن تفلح فى إخفاء عيوب وجهها . كانت ممددة فى صمت . يغلفها اليأس كالمعطف الضيق .
جاء إيدى فارو بعد الظهر ومعه باقة ورد ضخمة . الوقت القليل الذى عرفت فيه كاسى والدها سمح لها أن تكتشف أن والدها محب لمظاهر العظمة : سيارة فارهة ، شقة واسعة ، هدايا فخمة ... وديون باهظة . يجد صعوبة فى دفعها .
ابتسم عندما رأى ابنته :
- ما الذى حدث لك يا عزيزتى ؟
أحيانا كان ضعف وحساسية والدها يحطمان قلب كاسى . كان إيدى فارو غير جدير بتوفير احتياجاته وعلى الرغم من ذلك لقد أجزلت له الطبيعة العطاء فمنحته وجها صبوحا وقواما ممشوقا .
- صباح الخير يا أبى . هل أبد إلى هذا الحد من السوء .
أجاب بصراحة :
- أسوأ مما كنت أتوقع . ولكن أدعى هذا المدعو ماردوك أنك فى حالة لا بأس بها ، وأنه لا داعى من أن أسرع بالمجئ إليك . لقد نسى أن يخبرنى أنك تشبهين العائدين من الحرب .
قالت كاسى بصوت متكسر :
- - أشكرك بشدة .
التفت إيدى عندما شعر أن هناك من دخل الحجرة
ابتسم إلى الممرضة قائلا :
- هل تستطيعين أن تضعى هذا الورد فى زهرية يا جميلتى .
مد يده بالباقة إلى السيدة الشابة واضعا يده على ذراعها . توردت بينما حملق إليها كأنه لا يستطيع أن ينزع نظرته من عليها
قالت مبتسمة :
- سأذهب لأحضر زهرية جميلة .
أجابها إيدى :
- بسرعة .
ابتعدت الممرضة فى دلال . قالت كاسى بصوت جاف :
- أنت لا تضيع فرصة دون أن تمارس هوايتك فى إغواء النساء . فى ظروف أخرى كانت ستضحك من سلوك والدها .
أجابها :
- المغازلة فن يا كاسندرا . أنا ...
قاطعته رافعة يدها وقد نفذ صبرها. إنه حقا رجل جذاب ، بشرته برنزية بفعل شمس هاواى حيث ذهب فى رحلة مع آخر صديقاته ، شعره الأسود الذى خطه الشعر الأبيض يمنحه سحرا ووقارا . ورثت عنه كاسى عينيه الذهبيتين وقوامها الفارع . حمدت الله على أن لها نفس الطابع الرصين الذى كانت تتمتع به أمها .
قال إيدى :
- إذا كنا لاعبين حاذقين فسيمكننا الاستفادة من هذا المدعو ماردوك . إذا كنت قد فهمت جيدا فهو من اصطدم بسيارتك أى محكمة بمجرد أن تراك ستستنتج أن حياتك العملية قد دمرت .
قالت كاسى بعصبية :
- اصمت . لن تكون هناك قضية . الأخطاء متبادلة . كان هناك ضباب كثيف مساء الحادث ، وكانت الرؤية منعدمة ، وكنت مجهدة ومسرعة للعودة إلى البيت بالإضافة إلى أن الشرطى قد طلب منى تقليل السرعة .
قال إيدى فى عناد :
- هذا لا يمنع أن يكون الشرطى قد طلب من ماردوك نفس الشئ .
أذعنت كاسى :
- هذا صحيح . لكن ليس هذا سببا كافيا لمقاضاة الرجل . يمكنه أن يحول القضية ضدى . هل فكرت فى ذلك ؟
- أنت تفتقدين الواقعية . رجل فى مركزه لابد أن يكون لديه تأمين ضخم .
ازداد غضب كاسى :
- ماذا تقصد يا أبى ؟ لقد طلبت منك ألا تتدخل فى حياتى .
قال إيدى بصوت حازم :
- لا تغضبى ... لست فى حالة تسمح لك باتخاذ قرار . دان ماردوك رجل ثرى
صاحت بصوت منكسر :
- أبى . أنا قادرة تماما على الاهتمام بشؤونى بدونك و ... بالمناسبة أريد أن أقول لك : أريدك أن ترد إلى الخمسمائة دولار التى استعرتها منى العام الماضى .
أخذ إيدى يضحك :
- أنت تشبهين أمك عندما تغضبين .
أجابت كاسى :
- دع أمى فى سلام . كانت طيبة تجاهك . وأنت تعرف ذلك تماما . لا أستطيع أن أتجاهل ما لى عندك من مال . قد أفقد وظيفتى .
- سبب آخر حتى ...
- لا لدى تأمين . لقد أنقذ دان ماردوك حياتى ولن أجرجره أمام المحاكم.
سألها إيدى فجأة مفعما بالأمل :
- يبدو أنك معجبة به يا صغيرتى . ربما كان لديك مشروعات أخرى .
أجابت كاسى بصوت أكثر هدوءا :
- أنت تغضبنى حقا بهذه الكلمات . أفضل أن تذهب وتأتى لترانى فيما بعد . بالمناسبة ، ماذا ذهبت لتفعل فى سياتل ؟
- أعمال ... وحب . واحدة من صديقاتى تمتلك بيتا هناك . وحرصت على دعوتى .
- كان يجب أن تعمل بالتمثيل .
- هل كان يجب على ذلك ؟ إنى ممثل بالفطرة . الحياة ليست إلا سلسلة من المسرحيات ، وإنى أمثل فى كل واحدة منها لكنى أعشق طفلتى الوحيدة .
- كيف تأكدت من ذلك ؟
- من ماذا ؟ من أنى أعشقك ؟
- لا من أننى طفلتك الوحيدة . أليس لدى أخوات وإخوان فى جميع أنحاء العالم ؟
قال إيدى بصوت ميلودرامى :
- من يعرف ؟ من يعرف البذور التى نبذرها على طريق الحياة .
قاطعته كاسى :
- إلى اللقاء يا أبى . وشكرا على الورد .
تأخرت الممرضة فى العودة ، وأدركت كاسى أن والدها قد نجح فى احتجازها عند السلم . أخذت تفكر فى دان ماردوك لم تره منذ بضعة أيام لكنه يتصل بها فى كل مساء . لقد حدثها عن نفسه : عائلته تمتلك استثمارات فى أعمال الأخشاب بالقرب من بند ، وهو موجود هناك للتفاوض مع أحد المشترين . سألها إذا كان أبوها قد جاء ليراها . وإذا كان لديها أخبار عن صاحب العمل. أخبرته أنها لا تحتاج إلى ممرضة خاصة لكنه أصر .
عندما اقترب المساء نظرت كاسى عبر النافذة محاولة تذكر وجه دان ماردوك : إنها تتذكره بالكاد بملامحه لكنها ترى بوضوح فى ذاكرتها كتفيه العريضتن ، وهيئته الرياضية . قالت فى نفسها إنه رجل جذاب حقا .
أثناء حديثهما التليفونى كان يحدثها بلطف . يجيب عن أسئلتها ولا يطرح عليها أى سؤال . هل هو مهتم بها ؟ هل يشعر بالذنب ؟ جزء منها تمنى لو لم يتصل مرة أخرى ،وآخر كان يترقب رنين التليفون .
لم تقابل كاسى أبدا رجلا مثل دان ماردوك لكنها تمنت لو لم تره على المدى البعيد . إنها ليست فى حاجة إلى شفقته
كانت تشعر بالفزع كلما فكرت فى صورتها : عيناها المظللتان بالسواد ، وجهها المتورم تحت الأربطة . يداها المشوهتان . أخبرها الجراح أنها لا تستطيع أن ترتدى المايوه ولا فساتين السهرة المكشوفة كما يجب أن ترتدى ملابس ذات أكمام طويلة .
فتح الباب وأغلق بهدوء . استمرت كاسى فى النظر إلى النافذة ومسحت عينيها . لابد أن الممرضة ذات البشرة الحمراء قد انتهت من فترة خدمتها . لن ترى هذه الفتاة وهى تهتم بها . همت بفتح فمها لتطلب منها ألا تضئ النور عندما استنشقت عطرا رجاليا : شعرت بوخزه فى قلبها عندما تعرفت على صوت دان ماردوك .
- صباح الخير يا كاسى
أدارت رأسها . نظرت إليه بعينين دهشتين ، ثم أخفت يديها بسرعة تحت الملاءة لكن قامت بحركة سريعة فشعرت بألم فظيع فى أذنها .
- صباح الخير
صمت :
- هل أستطيع الجلوس ؟
أجابت :
- تفضل .
- شكرا
أخذ مقعدا واقترب من الفتاة . اضطرت هذه الأخيرة إلى النظر إليه : كان يرتدى بنطلونا بنيا ، وقميصا لونه بيج وحذاء بنيا . لم يكن فى ملابسه ما يلفت نظرها ولكن وجهه الأسمر وملامحه الحادة
لمعت عينا كاسى الذهبيتان بلمعة تحد عندما تقابلتا مع عينيه السوداوين . ظلت متحفظة : إنها لا تعرف ما سبب شعورها بأنها تحتاج إلى أن تحمى نفسها منه .
- صباح الخير مرة أخرى يا كاسى . لماذا أنت متكدرة هذا المساء ؟ هل كان يومك سيئا ؟
أرادت أن تجيبه : نعم كان يومى فظيعا : لكن هذا من الوقاحة
قالت بصوت مرتفع :
- اسفة . لم أكن أدرى أننى أبدو متكدرة .
شعرت بانحباس الكلمات فى حلقها .
اقترب منها دان وقال :
- لا طائل من التقيد بقواعد اللياقة يا كاسى . إذا كان يومك سيئا فأجيبى : نعم كان يومى سيئا.
يا إلهى إنه يقرأ أفكارى
انفجرت :
- إيه حسنا . كان يومى بشعا وغدا سيكون أسوأ .
- حسنا . شئ طبيعى أن يشعر المرء بالكراهية . لكن لا تدعيها تتغلغل إلى أعماقك . سيكون من الأسهل أن تدعينى أشاركك فيها .
أجابت على الفور :
- ماذا تعرف عن ذلك ؟ هذه هى المرة الثانية التى أراك فيها .
- فى هذه الحياة ولكن ليس فى الأخريات .
أجابها بنفس الصوت الهادئ . ولكن كانت عيناه تلمع بالمكر وابتسم ثم انفجر فى الضحك .
- ألم تشعرى أبدا بأن ما تفعلينه قد فعلته من قبل . أنك قابلت شخصا أو شيئا بالفعل ؟ هذا الشعور لا يستمر إلا لحظات لكنه شعورعميق . هذا ما شعرت به عندما شاهدتك . ربما نزلنا نهر النيل معا مثل مارك أنطونيو وكليوباترا . فكرى ، هل أنا غريب بالنسبة لك ؟
أدهشها هذا السؤال الأخير . لقد انتابها بالفعل هذا الشعور الغريب بأن هذا الرجل ليس غريبا عنها .
- إذا كنت قد عرفتك فى حياة سابقة فربما كنت أرنبا وأنت غزالا.
- لا . إذا كنت أنا غزالا فأنت كنت زوجتى .
لمعت عينا دان بابتسامة ساخرة بينما شعرت كاسى بالانفعال : رجل فى مثل سحره وجاذبيته لا يمكن أن يكون وحيدا حتى لو لم يلبس خاتم زواج .
كانت تريد أن تقول له إن حديثهما قد اتخذ منعطفا شخصا جدا ، وأنها لا تقدر سخريته . غاصت عيناها فى عينيه الداكنتين وفجأة ابتسم لها . قال بصوت عذب :
- لك فم جميل جدا يا كسى فارو .أحب أن أراك تبتسمين فى أوقات كثيرة .
تهللت أسارير كاسى بعدغضبها وقالت :
- لا تحاول إغوائى يا أيها الـ دون جوان . لقد أكدت لك بالفعل أننى لن أرفع ضدك قضية .
لمعت عيناه بالغضب
أضاء دان المصباح المجاور لسريرها : شعرت كاسى أنه غاضب للغاية . حملقت فى عينيه الداكنتين يائسة .قال :
- نستطيع أن نقيم علاقة طيبة يا كاسى .
كان وجه دان صارما لدرجة علتها ترتعش ،وعلى الرغم من صعوبة تنفسها وارتعاشها استطاعت أن تقول متظاهرة برباطة الجأش :
- لا يوجد أى علاقة بيننا يا سيد ماردوك .
قال بصوت حان :
- أوه بلى ! إننى منجذب إليك بقوة ... عمرى أربعة وثلاثون عاما . وأنت المرأة الأولى التى أشعر تجاهها بهذا الشعور الغريب . بمجرد أن تعرفيننى أكثر ستدركين أننى لا أعرف المجاملات العابرة
أدارت كاسى رأسها على الوسادة . تأوهت من الألم ثم قالت :
- أنت لا تعرف شيئا عنى و ....
- إنى أعرفك.
مال نحوها ، رفع شعرها وجذبه إلى الخلف :
- شعرك جميل أيضا . فى شقتك رأيت صورا لك وأنت تقدمين أدوات التجميل . سرقت واحدة .
- هل .. هل دخلت إلى شقتى ؟
بقيت كاسى مشدوهة .كم كانت دهشتها كبيرة .
- بالتأكيد . وإلا كيف وصلت حاجياتك إلى هنا ؟
ضحك عندما رأى حيرتها .
- اعتقدت أن جودى أحضرتها قبل أن تقلع .إنها مضيفة طيران وتسكن بالقرب ...
تكسر صوتها . كانت تجد صعوبة فى تصديق ماردوك .
قال دان بتلقائية :
- رأيت جودى . ساعدتنى على اختيار ما تحتاجينه . قالت لى إنك لم تدفعى الإيجار بعد . دفعت للشهر القادم وبذلك لن يكون لديك مشكلة .
- أنت وقح ! أسكن هذه الشقة منذ ست سنوات ولم أطرد مرة لأنى تأخرت فى سداد الإيجار
- أدركت جيدا أن المالكة ستصبر قليلا بعد علمها بظروفك لكنى فضلت الدفع مقدما . بالمناسبة لماذا تخفين ذراعا ؟ هل تشعرين بالبرد ؟
- لا . نعم
كانت غير قادرة على التفكير وهذا الرجل يجلس بجوارها ، ينظر إليها دون أن يرفع عينيه عنها . ابتسم إليها . همس إليها وهو يربت على كتفها :
- أنا متأكد أنك ستكونين بخير وستخرجين من هنا بسرعة وسأصحبك إلى بيتى .
كادت كاسى تفقد وعيها تحت ملمس يده وفجأة ردت :
- ماذا ؟ ماذا ؟
اعترتها الدهشة . أخذ دان يضحك ناظرا إليها . أرادت أن تبقى يده على كتفها :
- سأصحبك إلى منزلى بالقرب من بند . أنت غير قادرة جسمانيا ومعنويا على أن تقيمى بمفردك . لدينا منزل كبير على بعد ربع ساعة من المدينة بالسيارة. ستحبين المكان .
- اصمت . نحن لم نعد فى العصور الوسطى أيها الفارس . نحن فى القرن العشرين .عندما أخرج من المستشفى سأعود مباشرة إلى شقتى يجب أن أنتظر ستة أشهر قبل أن أعهد بوجهى إلى جراح التجميل . أريد أن أعرف إذا كان التأمين سيغطى تكاليف الجراحة . وإذا كنت سأحتفظ بوظيفتى .
توقفت عن الحديث : ضلوعها المحطمة تمنعها من التنفس بشكل طبيعى . إنها غير قادرة على الحديث طويلا . لم ينتهز الفرصة ليتحدث .على العكس لقد انتظر فى صبر ، أصابعه مضمومة حول معصم السيدة الشابة .
قالت كاسى :
- لا تنظم حياتى . ليس شهرا ولا أسبوعا ولا يوما . والآن اتركنى بمفردى يا سيد ماردوك . إننى فتاة كبيرة قادرة على الاعتناء بنفسها بمفردها .
نظرت إليه فى تحد .
ابتسم وشعرت بالدماء تتجمد فى عروقها . حملقت إليه كاسى وقد وقعت فريسة للخوف ، ذلك لأن ابتسامتها كانت تحمل سخرية إرادة وإعجاب . وانتابها شعور غريب بأنها إذا هربت منه فسيتتبعها حتى نهاية العالم .
قال بهدوء :
- أحب فكرك المتحرر . كما أحب تحفظك مع الرجال وحذرك منهم هناك نضارة داخلية وجمال يجذبنى إليك .
ابتسم
قالت كاسى وهى كاذبة طبعا :
- للأسف . أنا غير معجبة بك على الإطلاق .
كان ذلك كأنها تعوم ضد التيار .
- لكنك لا ترفضين ، وكنت تتمسكين بذراعى الليلة الماضية .أود أن أقبلك ... هل تسمحين لى ؟
لمعت عيناه الداكنتان ووثب قلب كاسى لم تستطع أن تجيبه .
مال إليها قائلا :
- كم أنا محظوظ
قبلها بلطف . إنها المرة الأولى التى تشعر فيها بهذه الرقة وهذا الاهتمام . وعندما لم تعرتض كرر دان القبلة ، وبدأت السعادة تتسرب إلى قلبها . شعرت برغبة فى أن تحتضنه حتى لا تفقده
رفع رأسه ونظر إليها . أدارت عينيها . قال :
- أترين ! نحن لا نتحكم فى قدرنا يا عريزتى .
قبل جبهتها بلطف ورحل .
بقيت كاسى برهة تحملق فى الباب المغلق
قالت فى نفسها مفكرة : لقد بدأت أصدقه .


الفصل الثالث

أخذ نيل هاملتون يروح ويجئ فى الغرفة بعصبية وقال :
- إذا أنشأنا مكتبا جديدا فسنخبرك يا كاسى . فى انتظار ذلك سأدفع لك تعويضا . يعلم الله كم كلفنى ذلك؟
كانت لهجة نيل غاضبة إلى حد كبير.
فكرت كاسى فى صمت أنا وأنت نعلم جيدا أن وجهى هذا لا يصلح للعمل فى بيت موضة . لمعت عيناها بالحزن القاسى : إنه حتى لا ينظر إليها .
- ستأخذ جينيفر مكانك . الحمد لله كم أنا محظوظ بلقائى بهذه الفتاة سأرسلها إليك حتى تعطيها بعض النصائح .
تحملت كاسى نظرات صاحب العمل المحملة بالعداء واستجمعت كل شجاعتها لتواجه هذا الرجل :
- لا تعتمد على مساعدتى يا نيل . سأترك بورتلاند .
- ترفضين مساعدتى بعد كل ما قدمته إليك ؟
- نعم . تماما كما ترفض مساعدتى للتشوهات التى حدثت لى لسوء حظى . ستعلم جينيفر بمفردها مشقات المهنة .كما فعلت من قبلها .
ارتفع صوت كاسى على الرغم من محاولتها الاحتفاظ بهدوئها . كانت ممزقة بين الغضب والكراهية .تلك المشاعر التى لم تتطلب إلا أن تخرج .
قال هاملتون بنبرة فاترة :
- سأدفع لك مقابل الساعات التى تقضينها مع هذه الشابة . إنها ذكية وتتعلم بسرعة بالإضافة إلى أنك ستحتاجين لشهادة خبرة إذا كنت ستحاولين البحث عن عمل جديد .
- لا داعى للابتزاز يا هاملتون . إنك رجل أنانى أبله . سنتنكس أعمالك من هنا إلى خمس سنوات . لأنك غير قادر على مواجهة الشرق .كل ما تفلح فيه هو مراقية الفتيات الجميلات . والآن أخرج من هنا .
بدا الغضب على وجه نيل ربما هو بضربها . لقد أصابته كلماتها كأنها صفعة :
- وأنت ؟ من أنت يا كاسى فارو ؟ إنك لست سوى فتاة مشوهة . لن يفلح أى مكياج فى مواراة ندباتك . لن تعملى أبدا فى بيت لمستحضرات التجميل .
صاحت كاسى :
- اخرج ! اذهب ! اذهب .
نهضت على مرفقها وكبحت صرخة وهى تشعر بألم هائل يخترق رأسها . أخذ كل شئ محيط بها يدور . سقط رأسها على الوسادة .
قال هاملتون وهو يلوح بقبضة يده :
- ستندمين على ذلك يا كاسى .
جاءها صوته بعيدا ، لم تسمع صوت الباب وهو يفتح . سأل دان مقتربا من السرير :
- تبا ... من أنت أيها السيد ؟
نظر إليه دان شزرا محاولا كبح ثورته حتى لا يضربه
- إننى مديرها السابق والأخير فهى غير صالحة للعمل فى بيت لمستحضرات التجميل
أمسك دان كتفى هاملتون وجعله يدور حول نفسه وهو يقول :
- سيدى هل تعلك أنك تواجه خطر أن تفقد بعض أسنانك ؟
رأى هاملتون الشر فى عينى دان . خلال بضعة ثوان كادت كاسى أن تفقد الوعى هل دان ونيل يتشاجران ؟
حاول نيل أن يحرر نفسه من قبضة يدى دان القويتين بينما دفعه دان إلى باب الخروج بقوة ريح ثائرة .
لم تسمع كاسى صوت الباب وعاد إليها دان عيناها مغلقتان ، يداها مضموتان تحت الملاءة . لم تكف عن ترديد كلمات نيل : مشوهة ... مشوهة ... مشوهة .
لم ترغب إلا فى شئ واحد :أن تغرق فى النسيان . لم تنصفها الحياة ،أى إحباط ويأس تشعر بهما . سالت الدموع على خديها .دموع نابعة من أعماقها المحطمة .
تحركت لتعطى ظهرها إلى الباب .. تحركت الملاءة من فوق كتفيها وعلى الرغم من حزنها أمسكتها ورفعتها حتى رقبتها .
النحيب يمزق حلها ، ويهز صدرها وكل جسدها .لأول مرة فى حياتها كانت محطمة وضائعة .
جلس دان إلى جوارها :
- كاسى . لا تبكى .هذه ليست نهاية العالم . كفى عن البكاء .
كان يحدثها بصوت مفعم بالود واللطف ولكن لم تستجب كاسى . إنها فريسة للخزى والإهانة التى سببها لها حديث نيل .دفعت عنها يده التى وضعها على كتفها على الرغم من آلام صدرها .
قالت منتحبة :
- اذهب . اخرج من هنا ! لا تنظر إلى .
أخفت وجهها تحت الملاءة .
- موافق ! لن أنظر إليك إذا كنت تريدين ذلك . لكن لا تبكى . هذا الوغد لا يستحق . لا تعذبى نفسك لأنك فقدت وظيفتك .
ربت على كتفها فى حنان .
أجابت كاسى بصوت يهزه البكاء :
- لا يهمنى العمل .... لا يهمنى هذا الجبان .
- ماذا إذن ؟ اصمتى هل تردين أن تقعى فريسة للمرض بسبب بكائك هذا ؟ دعينى أساعدك يا كاسى .
صاحت :
- لا تقلق بسببى . لست بحاجة إليك ... ولا لأحد .
حاولت أن تتخلص من يده ولكنه أصر على محاولة تهدئتها .
- أنا لست قلقا عليك ....لكنك أنت القلقة ... هل كان هذا الرجل حبيبا لك ؟
رفعت الغطاء عن وجهها :
- ليذهب إلى الجحيم ! لا ! حتى لو كان آخر رجل على وجه الأرض لم أكن لأحب هذا الجبان أبدا
بدون أن تشعر حل الحزم مكان الغضب .
- حسنا ...كنت أعرف أنك لا تفضلين هذا النوع من الرجال .
- ولا أنت يا سيد دان .
- يجب أن تتعلمى يا جميلتى أن تتقاسمى أحزانك وآلامك مع شخص يحبك . مما يسهل عليك الأمور . الآن أخبرى فارسك ما الذى يضايقك بخلاف أنك فقدت عملك .
- إذا كنت تفكر فى المشاجرة من أجلى فانس ذلك يا فارسى أستطيع أن أربح المعركة بمفردى .
- لا أشك فى ذلك يا جميلتى لكن سيكون الأمر أسهل إذا حاربت إلى جانبك .
نظرت إليه شزرا وقالت :
- بالمناسبة أنا لست جميلتك .
مال نحوها وقبلها
- توقف
انفجر ضاحكا .
- كنت أفضل ألا أعرفك أبدا يا سيدى .
استمر دان فى الضحك ولمعت عيناه بالمرح .
- لقد حدث ما قدر له أن يحدث .
أدارت رأسها نحوه فابتسم إليها :
- لا تتحدث أبدا عن أن هناك حياة سالفة تقابلنا فيها . وإذا كان هناك حقا شئ من هذا القبيل فبالتأكيد كنت أنا كليوباترا وأنت الثعبان الذى وخزها .
تحدثت كاسى فى غضب وانفجر دان فى الضحك من جديد .
- أعشق ذلك .
صاحت كاسى مبتسمة رغما عنها :
- انا سعيدة لأن ذلك يفرحك .أنت أجرأ رجل قابلته فى حياتى
أخرج دان منديلا ورقيا من العلبة الموجودة فوق الطاولة ومسح عينى السيدة الشابة
أجاب ساخرا :
- أشكرك لقد استحققت على الأقل اجتذاب انتباهك . حسنا .لقد تخطينا العقبة الأولى .بقى لنا أن نتخطى التاليات .
- أى عقبة ؟
- اصمتى واسمعى . سأذهب إلى مكتبك وأحضر حاجياتك .
- لا طائل من ذلك ستتولى جودى هذا العمل وستتخلص لندا ماكنيس السكرتيرة من المكتب .
أمسك دان سماعة التليفون وسألها :
- ما رقمك ؟
أخبرته بالرقم وضربه على الفور :
- لندا ماكنيس من فضلك . صباح الخير يا لندا .أنا دان ماردوك خطيب كاسى فارو . عندما سمع اعتراض كاسى وضع يده على السماعة :
- ألا تعلمين أنها مخطوبة ؟ إنى مندهش لأنها لم تخبرك . لقد قررنا أن نتزوج فى القريب العاجل . لندا من فضلك ضعى أشياء كاسى جانبا ، وسأحضر لأخذها مع راتبها . شكرا جزيلا . نعم أنها بخير . إنى أعتنى بها . إلى اللقاء .
وضع دان السماعة
انفجرت كاسى قائلة :
- ليس ... ليس لديك الحق فى قول ذلك ! نحن لسنا مخطوبين .لقد تعرفنا بصعوبة .
ابتسم دان أمسك يد كاسى :
- هل تريدين أن أوخزك .
منعت نفسها من الضحك
- دان توقف أنت ترى أننى لست فى حالة تسمح لى بالمزاح . أريد أن أكون شريرة . اذهب ودعنى أتالم وحدى .
- يمكنك أن تكونى شريرة الأسبوع القادم ولكن ليس اليوم ولا غدا .
- لماذا الأسبوع القادم ؟
- لأنى لن أكون هنا سأذهب إلى اليابان مدة عشرة أيام سيكون لديك كل الوقت لتكونى شريرة أثناء غيابى .
- هل سأوحشك ؟
شعرت كاسى أن مشاعر غريبة وقوية تنتابها . نظرت إلى دان . صوت إرادتها يناديها بأن تطرده . وعندما أراد احتضانها صاحت معترضة :
- لا
قبل وجنتها . قال مهدئا :
- صه .... صه ... هل أخيفك ؟ أنا لا ألهو يا كاسى . عندما أريد شيئا ما فإنى أحصل عليه .
ارتعشت كاسى من فرط صراحته . نظر إليها دان فى عينيها وقال :
- هذه الفترة من الابتعاد ستمنحك وقتا لتفكرى فى . لا أريدك أن تتسرعى ولكن عندما أعود أريدك أن تتخذى قرارا .
بحثت كاسى فى رأسها المشوش عن أجابة . حركت رأسها يمينا وشمالا فوق الوسادة وعلى شفتيها كلمة لا . ولكن لم يخرج أى صوت من فمها . وأخيرا قال دان :
- الآن سأتحدث مع الطبيب . وبعد ذلك سأنقل أشياءك إلى الشقة .
ترك كاسى وسار بثقة حتى الباب حيث ابتسم إليها قبل أن يختفى فى الردهة .
بقيت كاسى لحظة طويلة تردد ما قاله : عندما أريد شيئا فإنى أحصل عليه : تنهدت :
- يا إلهى لم أكن فى حاجة إلى ذلك .
يجب أن يرحل دان إلى اليابان يوم الاثنين .مساء الأحد ذهب ليزور كاسى زيارة أخيرة
- عند عودتك سأكون قد خرجت من المستشفى . شكرا على كل شئ . لا تعتقد أننى لم أقدر ما فعلته من أجلى لكنى تعودت أن أتصرف بمفردى . لقد فعلت ذلك دوما .
فى ذلك المساء كانت كاسى جالسة فى مقعد بالقرب من السرير .كانت هذه هى المرة الأولى التى لا يراها فى السرير .
أجابها متجاهلا ما قالته :
- عند عودتى سنطلب من الطبيب أن يضع تقريرا عن صحتك . ثم سنذهب إلى بند هذا المكان سيعجبك.
- دان لا تعاود ذلك . لقد سئمت من ان تخطط من أجلى . لقد قلت لك مرات كثيرة . لا أعتقد أنك أبله .
- أنا لست أبله يا كاسى . إننى عنيد . هذا كل ما فى الأمر .أمى تمتلك بيتا فى بند ،وبما أنها تسافر كثيرا فإنه سيكون ممتازا بالنسبة لك.
جلس دان إنه مفعم بالرجولة والوسامة . لمس يد كاسى التى أخفتها فى جيب ردائها .
- لماذا تخفينها دائما ؟
أمسك يدها ، ثم لمس فى لطف الندبات المنتشرة فى يدها
- أنت ترى جيدا
نظرت إليه غاضبة . وحاولت أن تسحب يدها لكنه أمسكها .
- المظهر له شأن كبير إذن وأهمية بالنسبة لك .
- أنت تعتقد أننى فتاة تافهة وغبية . أليس كذلك ؟ لكن هاتين اليدين هما اللتان يسرتا لى العيش خلال السبع سنوات الماضية . اعتنيت بهما كأنهما عيناى .انظر إليهما الآن ! كيف أستطيع أن أقدم بهما علبة كريم أو زجاجة طلاء أظافر ؟
- أنا لا أراهما كذلك .
اندهشت كاسى لصوته الحزين . ازدردت ريقها وأدارت وجهها .
تبا ! لماذا يظهر لها كل هذا اللطف ؟ لقد ظهر فى حياتها نوا ، وهو يحمل لها من التعاون والتفهم أكثر من أى أحد قابلته بعد وفاة والدتها .
- سأعود بعد عشرة أيام لأخرجك من هنا .
أسندت كاسى رأسها إلى ظهر المقعد . مما أضطرها إلى أن ترفع عينيها نحو دان .
همس إليها :
- انهضى .أريد أن أراك واقفة على قدميك قبل رحيلى .
أذعنت كاسى دون أن تدرى لماذا . لكنها استطاعت أن تقف مستقيمة وعيناها مثبتتان فى عينى الرجل .تورد وجهها ، خفضت رأسها لتخفى اضطرابها . رفع هامتها بإصبعه . فعادت عيناها لتلاقى عينى دان .
قال إليها فى لطف :
- إنى حريص على أن أراك تقفين إلى جوارى . الآن ضعى رأسك فوق كتفى ، وعلى الفور سترين مدى الراحة التى ستشعرين بها .
لم تحاول كاسى المقاومة . أسندت رأسها على كتفه واستسلمت لشعور جديد عليها . شعور بالحماية والدفء .
فتحت عينيها . ماذا يحدث ؟ إنها لا تريد أن تعتمد على هذا الرجل ولا على أى أحد غيره .
قال وهى تحاول الابتعاد عنه :
- لا . لا تتحركى . هل تعرفين ماذا تشبهين ؟ إنك تشبهين عصفورا يضرب بجناحيه . أمامك عشرة أيام ستعرفين خلالها إذا كنت أحببت قربى أم لا .
همس بالقرب من أذنها :
- لم تبد أى أمرأة حتى فى أحلامى أعذب منك يا جميلتى .
ابتعد عنها ببطء
- اعتنى بنفسك أثناء غيابى .
همست فى تردد :
- وأنت أيضا .


الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
https://kurzayee.roo7.biz
 
عيناك لا تكذبان
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
منتديات كرزاوي  :: ~¤¢§{(¯´°•. أقسام دودين الأدبية .•°`¯)}§¢¤~ :: روايات طويلة-
انتقل الى: