يحلو لي أن أكتب عن الحب برصانة ، بعيدا عن فضول القول والشطط ، وأن أبسط القول فيه دون انزياح أو تشفير أو تهويل للمعاني والعبارات .
نفسي في أحايين كثيرة تمج اللغة الحداثية التي تضيع المتلقي ، ولا تمنحه -في أحايين كثيرة- إلا جرعة يسيرة من رحيق النص. فكأن لغة الحداثيين جزء من التوتر الذي يشهده العصر ، بل هي دليل على الترف الفكري حينا ، وفوضى المطارات – على حد تعبير أحدهم – في أحايين كثيرة .
الحب عاطفة جُبل عليها الخلق ، وهبة ربانية قاسمنا الخالق إياها إذ قال * يحبهم ويحبونه *، والجانب العاطفي في الإسلام مشرق مزهر، وضع للحب سياجا يجعله دوما في حمى الفضيلة ، ويربأ به عن الولوغ في حمأة الرذائل. جليلة تلك المشاعر ، لأنها تصدر الدعة والسكينة ، والاستسلام طواعية ، وتقوم على الرضا والانقياد.
الحب أن يقاسمك الآخر ثرثرة دموعك ، وتوفز دمك ، وانشراح ابتسامتك ، وهندسة غدك . الحب شراكة بين اثنين أو أكثر رأسمالها – تلك الشراكة – السلم والرقي والعطاء.
عفوا ، تحرر الحب من دلالاته الواسعة، وأطرافه الكثيرة، ليصير فقط ذلك الشعور الذي يربط آدم بحواء ، فالحب صار مبتدءاً مرفوعا بالخجل ، وخبره حدِّث ولا حرج !
لست ضد الحب ، ولا يحق لي أن أدعي ، أني بنجوى عن هذا الشعور الجميل، ولست ضد أن أحب ، فأنا قلب ينبض ، بيد أن نبضه حذر خفر حييّ .
أنا ضد الحب حين يخرجني من هودجي ويبرج دخيلتي ويجعلني علكة تلوكها أفواه الأحياء ، ولو صرت من عداد الأموات ! أنا ضد الحب حين يستهلكني، يضعفني ، يضعضعني ، حين يقضم أحلامي ونجاحي ويتركني أسيرة الأماني والآهات ، أنا ضد الحب ، حين يحيلني إلى روح كسيرة تهلل لعدوان روح ، بمنطق دقات القلب والوجد والأشواق. أنا " مالي ومال الحب " الذي يجعلني أضع الخلق بكفة وأضع سارق قلبي بأخرى ، وتعجبني القسمة الضيزى وأصفق لتطفيف الميزان بقوة . "مالي ومال حب" يسهر جفوني ويثير جنوني، وكأن حقا لجفوني أن تتقرح ندما واستغفارا على جبل ذنوبي وطود خطايي، "مالي ومال حب" يوقفني في الشرفات سحرا أبتهل لمخلوق ، ويفوتني أن الرب ينزل السماء الدنيا ، وسقيت كأس الحب والابتهال لغيره ؟ مالي ومال الحب ، الذي لست ضده إن هو كان في النور ساري، وإن هو جمعني بالمحبوب بشرعة أحمد صلى الله عليه وسلم، وصرنا اثنين نلهج بالدعاء، أقوده ويقودني، نستبق السير لجنان الخلد فيصير الحب أبهى في الله وبالله ولله .
أنا لا أريد أن يصير قلبي منزها بين القلوب والأرواح يلقى مرتعا , يكسره ذا ويجبره ذا، ويصير عندي في كل روح طلل ، وفي كل قلب دمن ، وفي كل مجلس مايندر به القوم، وحينا يتفكهوا .
أنا -يا سادتي- لست ضد الحب عاطفة، لست ضد الروح غازية ، لكني ضد الهوى يهوى بي منزلة ، وما أروعها تلك التي سئلت عن من ظل يحبها وما باحت وما وصلت ، ومات الكمد الدنف وقالوا لها لو ما بعد موت عاشقها : ما كان ضرك لو أمتعته بوجهك ؟
قالت : منعني من ذلك مخافة الجبار ، وخوف العار، وشماتة الجار، وإن في قلبي أضعاف ما في قلبه، غير أني أجد ستره أبقى للمودة، وأحمد للعاقبة، وأطوع للرب ، وأخف للذنب.
يكفيه ضعة مجنون ليلى أنه سمي المجنون ! ويكفيها قدحا ولادة ، أن بطون الكتب تروي تهاويها في دروب الهوى :
ومساكين أهل العشق حتى قبورهم **** عليها غبار الذل بين المقابر
وقيل أن ديو جانس سئل عن العشق فقال : هو اختيار صادف نفسا فارغة .
أكاد أقول أن الحب لم يخترنا ، وأننا من نصنعه ، نحن من نصنعه ، نحدبه ، نهلل له، ثم ماذا ؟ نعيشه بحلاوته المغموسة في الآلام والمعاناة والذنوب .
- توقف ، ستقول لي هو قدر .
إن ما أحسست به اتجاه أي مخلوق كان جنينا سمّه الإعجاب ، ولكنك تصرّ على تبني كل جنين يوضع على أعتاب بابك !
عد ، وعودي إلى منابعك ، فثمة وصفات تنجيك من إنفلونزا الحب ، وإذا بليت به ، فاحتسب ، أو انتصر قثمة في النبع وصفة، أو ستكون ضرع ذنوب بلا منازع ، تدر وتدر ، وباسم الحب تراها ذبابا على أنفك ينش ، وذنبك صغير في عيونك عندا، كبير عند الله قدرا.
لست ضد الحب لكني ضد أن تكون الدنيا فقط حباً ، لست ضد الحب , ولكني أقول لك : اقرأ رسائلا وصلت بريدك عدا رسائل الحب، فصعب أن تصير مخمورا بالحب، مفتونا بالعشق وحولك رسائل الحرب والجوع والضياع و....
ملاحظة1 :
نحتاج إلى حب ولكننا نحتاج أيضا إلى أن نتصالح مع ذاتنا ونرضي خالقنا ، فإذا وجدت الله وجدت من تحب .
ملاحظة 2 :
النص كتب على عجالة فعذرا ..